العالم

"الجزائر وعدت السراج بتكثيف الاتصالات مع الدول الفاعلة"

عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا سعد شرادة في حوار لـ"الخبر"

 

لماذا تعطل تقدم قوات حكومة الوفاق شرقا بعد سلسلة الانتصارات المتسارعة التي حققتها الشهر الماضي؟

توقفت تحركات حكومة الوفاق لأن قرار التقدم والرأي الأخير فيه ليس بيد الليبيين، هناك مناقشات حالية بين تركيا وروسيا حول دخول سرت من عدمه، وحكومة الوفاق كقيادة عسكرية وكتائب في كامل جاهزيتها للتقدم شرقا، لكنها بانتظار الاتفاق الروسي التركي، حتى اللحظة لم تعطي تركيا إشارة التقدم نحو سرت ولن يتم التحرك دون الإذن التركي هذا الشيء لا يمكن إخفاءه، ولن يكون الضوء الأخضر إلا بعد الاتفاق مع الروس.

كيف قرأتم تلويح مصر بالتدخل العسكري في ليبيا ؟

تصريح السيسي بخصوص تدخله في ليبيا وذكر مناطق سرت والجفره على أنها خط أحمر تحت ذريعة الأمن القومي له سيناروهين: الأول أن السيسي استعمل الورقة الأخيرة عبر التلويح بالتدخل المباشر وهي الورقة التي تستعملها فرنسا وروسيا لإقناع المجتمع الدولي بوقف القتال ووقف تقدم حكومة الوفاق إلى سرت والجفره خوفا من أن تكون ليبيا ساحة حرب بين مصر وتركيا والمتضرر الأكبر هو الشعب الليبي، أما السيناريو الثاني فيتعلق بأن السيسي قد تحصل على إشارة من أمريكيا بالتدخل في ليبيا، مماثلة لتلك التي أعطت لتركيا، لأن الأمريكيين يتخوفون من توغل روسيا في ليبيا والبحر المتوسط، ولم يكن الضوء الممنوح لتركيا حبا فيها بل كرها لدور روسيا في المنطقة، وأيضا، ربما تتخوف أمريكا من صفقة محتملة بين تركيا وروسيا، فالبلدين بينهما ملفات في سوريا أيضا، وربما يفكر الغرب بإنهاك مصر وتركيا في حرب على الأراضي الليبية، ويضربون بذلك قوتين في الشرق الأوسط والمستفيد هنا أوروبا وأمريكا، كما أن ذلك سيساهم في أمن إسرائيل من تهديد الجيش المصري والتركي .

هناك من يرى أن مخاوف مصر إيديولوجية بالدرجة الأولى وترتبط بالخوف من قيام نظام حكم إخواني على حدودها ما رأيك في هذا الطرح؟

فعلا هاجس دوله مصر يرتبط  بالخوف من سيطرة تركيا على ليبيا وتمكين الإسلام السياسي وبالأخص حكم الإخوان المسلمين، وبالتالي ستدافع مصر على منع توسع نفوذ تركيا على ليبيا مهما كلفها الثمن، فهي ترى أن حكم الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية الأخرى يشكل خطرا على أمنها القومي، ونلاحظ أن أصوات الإخوان الآن أصبحت الأعلى والأكثر سماعا في حكومة الوفاق الوطني، لأن مساعدة تركيا جاءت بناءا عليهم، وأغلب المعاملات بين تركيا تكون عبر الإخوان، وهذا يعطي مصر مخاوف من أن تزرع تركيا جذور قوية للإخوان في محيطها، فإتحادهم مع إخوان مصر يشكل تهديدا للسيسي وقد يجعله يتهور ويقدم حقيقة على التدخل العسكري.

ولكن لماذا لم تشتكِ خمس دول حدودية مع ليبيا من تهديد أمنها القومي مثلما فعلت مصر؟

مواقف تلك الدول غير واضح منذ الثورة ولم تتضح حتى بعد الانقسام، بينما مصر بعد الانقسام كان موقفها واضح من دعم عملية الكرامة التي انطلقت من الشرق الليبي بقيادة الجنرال حفتر وبمساعدة دولتة الإمارات وفرنسا، أما دول الجوار الأخرى رغم حياديتها فهي أيضا غارقة في مشاكلها مثل الجزائر التي كانت تمر بمظاهرات وانتخابات بالإضافة لذلك لم تتفق مع جارتها المغرب بخصوص ليبيا نظرا لمشاكل متراكمة بينهما منذ مدة طويلة.

وتونس أيضا كانت غير مستعدة أو بالأحرى غير مستقرة حتى تتدخل في الملف الليبي رغم بعض المحاولات ولكنها لم تستطيع إيصال صوتها للعالم الآخر، ودول الجوار الأخرى مثل تشاد والنيجر غارقة في همومها،  نحن نتمنى أن يكون للمغرب العربي دور كبير في حل الأزمة الليبية، ولكن نعلم أن الملف الليبي أصبح تحت صراع دول لها حق الفيتو في المجتمع الدولي، وبهذا يكون حله صعبا على دول المغرب العربي، رغم أنه كانت مبادرة بين وزراء الخارجية تونس والجزائر ومصر ولكنها ماتت في المهد.

كيف تجدون جهود الجزائر لحل الأزمة الليبية؟

موقف الجزائر المحايد جاء نتيجة العلاقات القديمة مع الشعب الليبي، فالجزائر لا تريد الاصطفاف مع أي جهة حفاظا على الروابط الشعبية بين البلدين، فإذا وقفت مع طرف ستخسر الآخر، ولكن الجزائر لم تدعم الثورة في بدايتها وأخذت موقف المتفرج وكانت قريبة لنظام معمر القذافي، رغم الدعوات المتكررة من الدولة الليبية بعد نجاح الثورة، وبعد الانقسام الذي حدث في 2014 وما نتج عنه من حوار بقيادة الأمم المتحدة، تبنته المغرب في مدينة الصخيرات زادت حفيظة الجزائر، وزاد بُعدها عن المشكل الليبي ربما لعدم رضاها عن الحوارات التي استضافتها المغرب نظرا لتوتر علاقة الدولتين منذ القديم.

ورغم صعوبة الملف الليبي  بعد تدويله ووصوله لدول كبرى، إلا أن الجزائر مازال بإمكانها أن تعلب دورا في حله عن طريق اللقاءات مع الأطراف الليبية ونقل الصورة إلى الدول المتخاصمة، في السابق سعت الجزائر للاجتماع بالليبيين على مستوى القبائل، لكن في الواقع لا أحد يمثل قبيلته اليوم، لأن الانقسام وصل إلى القبيلة نفسها فنصفهم مع حكومة الوفاق والنصف الأخر مع الحكومة المؤقتة وهذا ما يحدث حتى داخل العائلات، لذلك أتمنى من الجزائر أن تتجاوز هذا المشروع، للخروج بمشروع جديد لأن الاعتماد على القبائل لا يساهم في حل المشكلة.

وما الذي خرج به وفد حكومة الوفاق الوطني من آخر زيارة إلى الجزائر ؟

الجزائر جددت موقفها المحايد والرافض للتدخل الأجنبي وهي النقطة التي شددت عليها، لم تشر إلى أي دولة بالتحديد لكن المفهوم والمقصود هو تدخل جميع الأطراف بما فيها مصر وتركيا، كما أن الجزائر شددت على وحدة التراب الليبي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ولم تعرض أي خطة واضحة أو طريقة محتملة يمكن اتخاذها مستقبلا لحل الأزمة، لكن حكومة الوفاق تلقت وعودا من الجزائر بأنها ستسعى لتكثيف تواصلها مع الدول الأجنبية، كما تواصل تنسيقها مع طرفا النزاع لمحاولة جمع شمل الليبيين وحثهم على الابتعاد عن صوت البنادق.

ما الذي يمنع الليبيين من الجلوس على طاولة مشروع وطني جامع ؟

لن يحل الملف الليبي إلا بالجلوس الحقيقي وتقاسم السلطة بين الأقاليم الثلاثة وتشكل حكومة وحدة وطنية ممثله كل أطياف الليبيين دون إقصاء، لكن للآسف نقولها بمرارة، التدخل الأجنبي بات لا يطلب الإذن، وكما يعلم الجميع سماء ليبيا مملوءة بالطائرات الأجنبية، وهناك تدفق كبير للسلاح، للأسف ليبيا لم ولن تستطيع حل المشكل، لأن الشعب الليبي بات رهينة للمجموعات المسلحة من الطرفين، وهي بدورها رهينة في يد الأجنبي الذي يدعمها بالسلاح والمال، ولا يمكن جلوس الليبيين مع بعضهم إلا بعد اتفاق الدول المتصارعة في ليبيا، كما أن الحروب الأخيرة زادت انشقاق الليبيين وأصبحت البلاد مهددة بالتقسيم نتيجة للشرخ الاجتماعي، ولا نكذب على بعضنا بخصوص شرعية سين أو صاد، اليوم شرعية الشعب الليبي منقسمة، صحيح أن حكومة الوفاق هي التي تحوز على شرعية المجتمع الدولي، لكن هذا الأخير يترك الدول الأخرى تدعم الطرف الآخر بالسلاح، ورغم وجود عدة قرارات أممية بمنع تدفق السلاح للأسف من بين من يجلبه دول لها حق الفيتو.

اقرأ من المصدر