العالم

"نتمنى أن تتمسك الجزائر بموقفها القوي"

في حوار خص به ''الخبر'' إعتبر وزير التخطيط السابق في ليبيا عيسى التويجر، أن بلاده لا تحتاج إلا لرفع الأيدي الأجنبية عنها حتى تنتهي مشكلتها المصطنعة خارجيا، داعيا الجزائر للتمسك بموقفها القوي في رفض أي تدخل عسكري على الأراضي الليبية.

 

بعد فشل كل مساعي المصالحة الوطنية، كيف يمكن إنهاء مشكلة الشرعية في ليبيا؟

 من وجهة نظري، المصالحة الوطنية في ليبيا لم تبدأ بشكل حقيقي بعد،  كل المحاولات السابقة كانت تصب في إطار الصراع من أجل تقاسم السلطة والمال وتحقيق مصالح أطراف معينة، ومحاولة كسب تأييد جهة أو منطقة ما، مع الرضوخ لإملاءات خارجية، وبالتالي لم تكن هناك نية حقيقة للمصالحة فبعض الأطراف كانت تعتقد أنه بإمكانها حسم الأمر بالسلاح، والآن تبين أن ذلك غير ممكن، وربما تكون هناك نية اصدق للمصالحة في الوقت الحالي لكن التدخل الدولي الذي يهدف للسيطرة الكاملة على البلاد، لن يرضى بتوافق سياسي داخلي، ويفضل حسم الملف بالقوة، وبالتالي يمكن القول أن ما سمي بالمصالحة، لم يكن إلا جزءا من الصراع والمراوغة وكسب التأييد والوقت.

 

مع تمسك الدول الداعمة لحفتر بالحل العسكري، وفشل الجهود الدولية في حل الملف الليبي، هل يمكن المراهنة على الحل السياسي اليوم ؟

الدول الداعمة لحفتر خسرت الحرب ولم يعد بإمكانها حسم الموقف عسكريا، لذلك عادت إلى الحوار السياسي للحصول على فرصة لاستدامة النزاع بعدما كانت ترفض في الماضي أي حل سلمي، وهذه الدول ليست جادة في طرحها و ستنتهز أي فرصة للانقلاب مستقبلا، وهنا يَكمن خطر التفاوض مع عقيلة صالح، فقد يقوم بدوره الآن بشكل عادي، لكنه قد ينقلب مستقبلا مثلما انقلب في الماضي عندما قدم البرلمان لخليفة حفتر.

و وجود مرتزقة روس في وسط ليبيا يؤخر سقوط حكم العسكر في الشرق ولكنه لن يصمد طويلا وحتى في بنغازي عندما تتضح الصورة سيهب الشعب الذي اعتقد أن ما يسمى ''الجيش الليبي'' هو جيش وطني، وتبين له  الآن أن هدفه هو الاستيلاء على السلطة، بدليل أنه استعمل المرتزقة الروس، و فخخ مساكن المواطنين، وقتل الأسرى، كما أن المقابر الجماعية التي خلفها في ترهونة لم يسبق لها مثيل في الفظاعة، وبالتالي الليبيون باتوا يعرفون الآن أن الجيش الذي يَعد بالأمن والاستقرار يعمل في الحقيقة على امن أسرة واحدة فقط تتسلط على باقي العائلات مثلما حدث في نظام القذافي. 

أما مأزق التدخل الخارجي فهو أخطر شيء على ليبيا، لأن البلاد مستقرة في الداخل وشعبها من السهل عليه أن يصل إلى تفاهمات، لكن للأسف الدول المتدخلة في الملف، وأذنابها في الداخل هم الذين يتصارعون، التخلص من هذه التدخلات يكون بالوقوف في وجهها وبتوحيد الجبهة الداخلية وكسب ثقة الرأي العام الليبي، ما يستدعي وجود قيادة قوية، ومشروع وطني كامل و متكامل، وهذا مطلب قابل للتجسيد، فمثلما حصل في دول أخرى يمكن أن يحدث في ليبيا أيضا.

 

 و من المهم أن نعرف بأن ليبيا غنية بخبرائها وعلمائها وفيها عدد كبير من خريجي الجامعات الأمريكية والبريطانية، ولديها قدرات ضخمة لكنها للأسف كلها مُبعدة، فحوارات الأمم المتحدة لا تأتي إلا بأقل الناس خبرة على القيادة، وهذا يوضح أن المجتمع الدولي لا يريد لليبيا أن تتقدم بدليل أنه لم يقدم أي خبير لتولي منصب قيادي، والخيارات الموجودة في المجلس الرئاسي سيئة جدا، فالأعضاء ليسوا من الشخصيات التي لديها خبرة سابقة في تسيير الدولة أو المتخصصة في مجالات مهمة، وهذه نقطة جديرة بالملاحظة وهي نتاج لخيارات الأمم المتحدة التي لا تخدم تطور الدولة.

 

في ظل حالة اللاحرب و اللاسلم التي تشهدها البلاد، هل بات تقسيم ليبيا ضرورة لإنهاء الصراع على السلطة؟

 تقسيم البلاد احتمال بعيد وغير وارد، لأن الشعب الليبي في الشرق أو الغرب يرفض فكرة التقسيم، والصراع في الأساس ليس بين الشرق والغرب، بل بين طرفين أحدهما يعمل على إعادة تنصيب حكم أُسَري بقوة السلاح وبدعم قوي من دول تزوده بالمرتزقة وأحدث الأسلحة، فهناك بعض الحكومات التي لديها مصالح في ليبيا ترى أن التعاون مع شخص واحد دكتاتوري، يُمكن أن يُضاعف مصالحها، أما الطرف الثاني فيتعلق بجهة ترفض العودة إلى حكم الفرد، وتود بناء دولة مدنية ديمقراطية، تقودها حكومة معترف بها دوليا وهي حكومة الوفاق الوطني التي اضطرت إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، مكنتها من صد العدوان على العاصمة، و مؤيدو كلا الطرفين في مختلف أنحاء البلاد يرفضون خيار التقسيم.

 

و ماذا عن الحكم الفيدرالي؟

إذا حصل حوار حقيقي بين أطراف الشعب الليبي، كل شيء ممكن، فيمكن ان يكون نوع نظام الحكم فيدرالي أو لا مركزي، لكن الكثير من الليبيين يعتقدون أن الفيدرالية هي تقسيم لهذا يرفضونها، فإذا اقتنعوا بأنها عكس ذلك وكانت هناك نيات حسنة يمكن أن يصبح الحكم الفيدرالي بديل للتقسيم، وأنا شخصيا من مؤيدي وجود حكم لا مركزي توزع فيه الموارد والحقوق بعدل، وتعطى الفرص بشكل متكافئ وتحقق فيه تنمية لكل أنحاء ليبيا ولا يحتاج أي شخص أن يتحرك من بنغازي مثلا ألف كيلومتر صوب العاصمة طرابلس للتوقيع على ورقة، و أفضل أن تكون اللامركزية من خلال الحكم المحلي على مستوى البلديات بصيغة متفق عليها مسبقا، ولكن إذا اتفق الليبيون على أي حكم مغاير فهو مقبول أيضا، كل ما نحتاجه الآن هو أن يمنحنا العالم فرصة برفع الدول المتدخلة أيديها عن البلاد، لينتهي النزاع الدائر و يبدأ الليبيون في بناء دولتهم.

 

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة كيف ترى موقفها من الصراع الدائر في ليبيا؟

الموقف الأمريكي لم يكن واضحا في الماضي، وتأرجح بين مؤيد لحكومة الوفاق وداعم لقوات حفتر ولكن في الآونة الأخيرة، وبسبب التدخل الروسي، وهزيمة الفاغنر على أسوار طرابلس، بدأت تحركات الخارجية الأمريكية تنشط لفرض حل سياسي، وهناك ضغوط دولية كبيرة جدا للدفع بالحل السلمي الذي حاولت حكومة الوفاق دائما الدفع به، فالركوض الحاصل في سرت والجفرة الآن ناتج عن انتظار حكومة الوفاق لإمكانية تجسيد الحل السلمي، لكن إذا لم يحدث  ذلك، فلابد أن تكون هناك حرب حقيقية لان الحكومة المعترف بها دوليا مُصرة على بسط سيطرتها على كامل البلاد.

 

  

كيف يمكن للجزائر أن تساهم في الحل مستقبلا؟

 نحن نعول دائما على مواقف الجزائر خاصة في مواجهة الدور المصري الذي يقوم اليوم بالتدخل العسكري في ليبيا نيابة عن دول أخري، فمصر ليس لديها أي مصلحة بالتدخل في ليبيا، لأن مئات الآلاف من مواطنيها يعملون هنا ولم يتم التضييق عليهم أو طردهم حتى في أحلك الفترات التي مرت بها علاقة البلدين، ومصلحة مصر في استقرار ليبيا الذي سيوفر لها الكثير من الفرص لعمالتها، لكن للأسف الحكومة المصرية انزلقت في تحالف سيكلفها الكثير، ونتمنى أن تتمسك الجزائر بموقفها القوي في رفض أي تدخل عسكري في ليبيا.

 

أخيرا ما الذي تحتاجه ليبيا اليوم للخروج من أزمتها، وإعادة بناء مؤسساتها؟

ليبيا لا تحتاج إلا لرفع الدول الأجنبية أيديها عنها، وسترون أنها ستستقر بعد ذلك خلال أيام وليس شهورا أو سنوات، لان مشكلتها مصطنعة و مفتعلة خارجيا و الهدف منها السيطرة الاقتصادية والسياسية ومنع قيام دولة ديمقراطية مدنية في ليبيا التي لا تضم إيديولوجيات عدة، ولا أعداد كبيرة من المتطرفين، شعبها معطاء ووسطي يريد دولة مدنية وليس لديه جيش يشكل خطر على دولة مجاورة، وهناك مليارات الدولارات تدخل الى تونس و مصر من ليبيا، و لا اعتقد انه من مصلحة أي دولة مجاورة خراب ليبيا وعدم استقرارها.

 

اقرأ من المصدر