العالم

"بعض النخب الفرنسية تقابل التطرف الديني بتطرف مقابل"

يرى المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات في باريس د.سلام كواكبي أن التطرف الديني يعتمد أساساً على الجهل والتعبئة، وهما عاملان يتوفران عندما ينخفض مستوى التعليم و تراجع دور المجتمع المدني وعندما يتزايد استبداد السلطة، مؤكدا في حواره مع ''الخبر'' أن المدرسة الجمهورية إن أحسن استخدامها وأزيلت الفوارق بين مدارسها حسب التوزّع الجغرافي، لقادرة، كمؤسسة رائدة، في المدى المتوسط، على المساهمة بفاعلية في الحد من التطرف الذي تشهده فرنسا.

كيف يمكن تفسير ازدياد التطرف الديني و الهجمات الإرهابية في فرنسا خلال المرحلة الأخيرة؟

  • اعتقد بأنه من المحبذ الفصل مبدئيا بين المفهومين. وعلى الرغم من تلاقيهما أحياناً، وعلى الرغم من حاجة الإرهاب باسم الدين إلى متطرفين دينيين، إلا أن هناك تطرف ديني لا يؤدي مباشرة إلى الإرهاب، ولو أنه كثيرا ما يحاول ان يُبرر له. أما عن ارتفاع نسبة التطرف الديني في فرنسا، فلا يمكن الحديث هنا بالأرقام، ولكن يمكن للسوسيولوجيا أن تلاحظ انكفاءً هوياتياً يدفع غالباً باتجاه التقوقع الديني والبحث عن الأجوبة مهما ابتعدت عن الحقيقة لدى بعض الجماعات وفي بعض المناطق، ويرتبط هذا بعوامل عدة ومتشابكة تبدأ من التموضع الجغرافي على هوامش المدن، وبالتالي على هوامش التبادلات الاجتماعية والثقافية، وفي ظل تهميش أو خوف الجناح التنويري في الفكر الديني عموماً وفي فرنسا خصوصاً، يُلحظ سيطرة بعض التوجهات العنيفة و الظلامية على بعض المنابر، والتي كان يتم التساهل معها لأسباب سياسية ترتبط بعلاقات ثنائية بين فرنسا وبلدان عدة، تحاول بعض هذه البلدان أن توجّه نحو الجهل الديني الذي يساعد، في قناعاتها المغلوطة، على شراء أمانها الداخلي،  وأخيراً، وليس آخراً، لأن هذا السؤال واسع، فيبدو أيضاً أن هناك زيادة ملحوظة في سيطرة أنظمة الاستبداد والقهر، والتي تقاتل وتقتل شعوبها، على الحكم في كثير من الدول "الصديقة" لفرنسا، بلد الحريات، التي تغضّ النظر أحياناً عن ارتكابات اصدقاءها المستبدين ما داموا يشترون السلاح ويزودون بالطاقة، ينعكس هذا حتما في رفد الإرهابيين بالمستائين أو المحبطين، وهذه محاولة فهم جانب من الصورة وليست في أي حال من الأحوال بتبرير.  

لكن، لماذا لم تتمكن فرنسا  من مواجهة التطرف رغم تعدد جهود الحكومة الفردية او محاولات التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي في سبيل تحقيق ذلك؟

من الصعب على فرنسا التنسيق في هذا الملف مع سواها من دول الاتحاد لأنها تتميّز عنها بتفسيرها لمفهوم العلمانية، يمكن لها بالمقابل، وهذا قائم وبشكل جيد، التنسيق في ملفات الإرهاب، ومن خلال الاطلاع على ما تكتبه صحف أوروبية عدة، يبدو أن النموذج الفرنسي المتشدد في تفسير العلمانية لا يدعو فحسب إلى الاستغراب، بل في الكثير من الأحيان إلى السخرية حتى، فأن تنشغل شاشات المحطات الرئيسة بلباس البحر "البوركيني" وبغطاء رأس أم ذهبت لتصطحب أبنها إلى نشاطات مدرسية أو سواها من السرديات التي تملئ الإعلام الفرنسي، فهذا يبعث على الضحك لدى الإنجليز و الألمان مثلاً، والمتطرف في فرنسا يمكن أن يكون مجرد من يُطلق لحيته او من يقم الصلاة، في حين أن جهاز الشرطة البريطاني مثلاً يضم شرطيات مسلمات محجبات ولم يطرح هذا الأمر أي إشكالية لدى الساسة كما الرأي العام البريطاني، هل لك أن تتصور أن يكون أو تكون عمادة مدينة باريس لمسلم كما لندن؟ لماذا؟ .

 بناء على هذه المعطيات كيف يمكن لفرنسا مواجهة التطرف الديني خاصة و انه بات يهدد المدرسة ؟

التغلب على التطرف لا يمكن ان تقوم له قائمة بالاعتماد على تعزيز تطرف مقابل، وهذا ما تخطئ بعض النخب الفرنسية بإتباعه. إن المدرسة الجمهورية، إن أحسن استخدامها وأزيلت الفوارق بين مدارسها حسب التوزّع الجغرافي، لقادرة، كمؤسسة رائدة، في المدى المتوسط، على المساهمة بفاعلية في الحد من التطرف، كما تطبيق مبدأ علماني أساسي يُحيّد الدولة عن الشأن الديني عامل هام، مع ذلك، وهذا هو الأهم، أن تعي وسائل الإعلام بأن المسلم الجيد ليس هو المسلم كاره الذات، بل هو محبٌ لدينه، كما هو محبٌ للجمهورية ومبادئها، وهو سعيد بأن يعيش في دولة تحترم حرية الاعتقاد كما التعبير، وعليه بالتالي أن يحترم هو الآخر قوانينها، التدين لا علاقة له بالتطرف الذي هو صنو الانحراف.

منذ الاعتداء على صحيفة ''شارلي ايبدو'' عام 2015، يبرز الجدل حول حرية التعبير بين المطلقة و المقيدة باحترام المعتقدات الدينية، مع كل هجوم جديد، باعتقادك كيف يمكن حل هذه الإشكالية؟

لم ولن يتم التوصل إلى حسم هذه المسألة حتى داخلياً في فرنسا،  فحرية التعبير المصانة عموماً بالقانون، مقيدة نسبياً فيما يتعلق بالتشكيك في وقوع جرائم النازية الموثّقة، ومن جهة أخرى، فهي مطلقة فيما يخص التجديف بكل الأديان وليس بالإسلام فقط، وهنا يمكن لمن يريد التبرم والشكوى، أن يتحدث عن الكيل بمكيالين، وهذا حديث يطول وهو مرتبط أساساً بالثقافة وبالتاريخ وبالذاكرة الوطنية، والأستاذ المذبوح من قبل المجرم الشاب، استخدم الرسم لكي يفتح حواراً عن مسألة حرية التعبير مع الطلبة دون تبني أية وجهة نظر، إلى درجة أنه طلب من الطلبة المسلمين أن يغادروا الحصة إن كان الرسم سيجرحهم، إن ارتفاع نسبة حرية التعبير ترتبط أساساً بمستوى الوعي المجتمعي والثقافة السائدة، فلذلك نجد بعض دول أوروبا الشمالية لا تضع أي قيد حتى على التشكيك بالمحرقة النازية لأن الدولة والمجتمع يعتمدان على مستوى وعي عالي يمكن له بنفسه، ودون اللجوء إلى القانون، أن يلفظ الانحرافات التعبيرية، أما عن حل هذه الإشكالية، فأتمنى أن أكون من بين العشرة المبشرين واجترع الحل لها، لكنني اعتقد وبكل تواضع بأن الثقافة والتعليم قادران على الوصول إلى حلول ربما ليست كاملة لكن الجهل قاتل.

هناك دعوات من قبل الأزهر إلى سن تشريع عالمي يجرم المساس بالأديان و رموزها هل تعتقد أن هذه الخطوة يمكن تجسيدها ؟

اعتقد أن الأزهر غير مؤهل، وهو المدافع الشرس عن الاستبداد والتسلط ، أن يعطي دروساً في المس بالمقدسات، فلا الدين الإسلامي ولا سواه من الأديان دعوا إلى تبجيل الحاكم و التمجّد له ومعاداة الشعب كما يفعل الأزهر، أكاد أقول حتى بأن الأزهر، إن نجح، وهو لن ينجح، في هذه الخطوة، ستكون دعوته الثانية هي إلى سن قوانين تُحرّم المسّ بالذات الحاكمة المقدسة لديه أكثر من سواها، وفي النهاية، اعتقد، وأتمنى، أن يكون كل صاحب عقيدة واثق من إيمانه ومن مقدساته، أقوى من أن يتأثر برسم ساخر آو سواه، الدين القوي، كما الإنسان الواثق، يتجاوز هذه الأمور لما هو أكثر أهمية، وكما أكاد أن أقول بأن كل من تثيره مثل هذه الأمور، ضعيف الإيمان أو ضعيف الثقة بمرجعيته العقائدية.

و لكن ألا تعتقد أن "عدم احترام المعتقدات" يؤدي إلى زيادة التطرف الديني ؟

اعتقد بأن التطرف الديني يمكن أن يستثمر في أي حجة ليدافع عن نفسه وليس بحاجة إلى "حرية التعبير والتجديف" حصراً. التطرف يعتمد أساساً على الجهل والتعبئة، وهما عاملان يتوفران عندما ينخفض مستوى التعليم وعندما يتراجع دور المجتمع المدني وعندما يتزايد استبداد السلطة، كل السلطات الحاكمة في الدول الإسلامية، مهما ادعت أنها علمانية، فهي تسعى لتعزيز الظلامية الدينية لمواجهة التنوير الذي يوضح للناس ما هي حقوقهم وكيف النوال. المستبد عدو العلم وراعٍ للجهل، و بالتالي للتطرف، عندما استقبلت الراحل الصديق نصر حامد أبو زيد إلى حلب، وهو من أهم من كتبوا بشكل علمي وعميق في مسائل إصلاح الفكر الديني، استدعتني أجهزة الأمن متسائلة عن سبب وجوده، وعندما أجبتهم بأنه صاحب فكر تنويري وهذا من المفترض أن يتوافق مع توجهاتهم ـ مع تأكدي من العكس ـ أجابوني بما معناه: "مضى لنا عشرات السنوات ونحن نحافظ على جهل العامة، وتأتي أنت بمحاضرة لتخرب لنا عملنا".

 

 

 

 

اقرأ من المصدر